قصة واقعية تدور حول حياة الأخ الراحل فؤاد عجمياننجم
الرب آتٍوُلد في نهاية القرن التاسع عشر ، وكان مسقط رأسه ضيعة متن عرنوق السورية والمطلة على البحر الابيض المتوسط فمنذ نعومة أظافره ، عاش يتيم الأب ، محروماً من محبته وعطفه وتأديبه. قبل ان يبلغ العشرين من العمرحرص ان لا يكون عبئاً على أحد ، فترك بيت ابيه وهاجر الى لبنان طمعاً بجمال طبيعته الخلابة وتوافر فرص أفضل للعمل .
تزوج من فتاة لبنانية ورزق منها ولدان . لكن لم تعم السعادة ارجاء بيته، ولم يبنِ لعائلته مستقبلاً زاهراً لأن سرطان الميسر تفشى في حياته ، فتحطمت اسطورة احلامه وتزعزعت دعائم بيته فلم يثبت ... وكيف يثبت بعد ان خسر كل شيء ؟!!! بعد ان باع اثاث بيته ، باع بدلة العرس والخاتم الذهبي وبدد ثمنها على طاولات القمار ...
تواعد للتلاقي مع عائلته أمام إحدى الكنائس في بيروت وذلك لتنفيذ ترتيبات الطلاق الذي لم يتم . كان الولدان بصحبة امهما التي ارادت آنذاك التخلى عنهما ، فزجرتهما قائلة: اذهبا الى ابيكما !!! وعندما ذهبا الى ابيهما الذي انعدمت من قلبه كل محبة ورحمة . قال لهما : ارجعا الى أمّكما .
لا ... لم يرجعا الى احد ، إذ وهما مرفوضان من الأب والأم كليهما ، تعانقا عند إحدى زوايا مبنى المطرانية حيث أجهشا في البكاء ... يا له من منظر كئيب .. مرير !!!
تركهم .. بل ترك بيروت وتوجّه الى مدينة حلب السورية ، ظناً منه بأن التغيير الجغرافي يغير القلب والكيان.
بعد ان مر بمدينة طرابلس ، جلس تحت ظل شجرة مورقه ليستريح من عناء السفر. وفجأة اقترب منه ثلاثة رجال جلسوا بجواره (بدون معرفة سابقة) ثم طلب أحدهم من الآخر أن يقصّ عليهم قصة الابن الضال المدوّنة في إنجيل لوقا 15 : 11 .
كم كان وقع هذه القصّة شديداً عليه ؟ !! حين تحقّق أن حالته تماثل الى حد بعيد حالة الابن الضال ؟ ولكن الى اين ؟ الى بيروت... الى العائلة ؟ وهل من أمل في إعادة بناء عائلة مفككة ؟
رجع الى بيروت وملؤه الأمل ، ولكن من أين يبدأ ؟ أخذ يستجيب لهيجان ضميره عليه إذ غمره بسيل من أسئلة التأنيب :
اين اولادك ؟ أين زوجتك ؟ ماذا فعلت بمالك ؟ ببيتك ؟ وبمستقبلك ؟
كم كانت ليلته طويلة ... وكأن لا نهاية لها ، كم كانت ليلته مزعجة .. إذ علا صوت ضميره على سكونها ؟ حين بزغ فجر اليوم التالي ، قام قاصداً احد زبائنه وحصّل منه الدين الذي له . اخذ كل ما يملك في الحياة ، وكله آمال وتصميم وتوبة لكي يبدأ من جديد طاوياً بذلك صفحات الماضي ومآسيه . يا ترى هل ينجح ؟ !!!
لقد صدق كلام الرب يسوع ان من يفعل الخطية هو عبد للخطية ... (هل يغيّر الكوشي جلده أو النمر رقطه ؟)
كلا... لم تتحقق آماله، بل خسر ايضاً كل ما يملك وبدده على طاولة القمار . عندئذ تجرأ وأخبر زملائه عن حقيقة مآسيه ... ربما ينتشلوه من هذا المأزق القاسي . حيث تحنن عليه احدهم وأعطاه ما يكفيه لشراء وجبة واحدة من الطعام ... لا غير !!!
وجبة واحدة وماذا بعدها ؟!!! أيستعطي ؟ كلا ، بل الموت بشرف ولا العيش بالذلّ. إذا ، فالانتحار هو العلاج الوحيد للخروج من هذه المهزلة ... ذهب الى دكان السيد سعيد نجم في احدى احياء بيروت واشترى منه أداة للموت التي ستضع حداً لمآسيه . توجّه بعدها، وبخطوات ثابتة الى غابة الصنوبر في منطقة السيوفي ببيروت ، منتظراً تلك الفرصة حين يرتاح من صوت الضمير . وكانت خطوات ثابتة اخرى تتوجه الى نفس المكان ولكن بتداخل الهي ، هي خطوات خادم الرب الأمين القس الراحل عيسى المصري . (هذا الخادم الذي حثه روح الرب ان يذهب الى غابة الصنوبر فأطاع ).
يا له من لقاء ، وما ادقه من توقيت ... حينما لاقاه خادم الرب (الذي كان على معرفة سابقة به) وبادره بالسؤال متحققاً : أأنت فلان ؟ ! ... وما هذا الذي تحمله معك ؟.
انهمرت عندئذ الدموع من عيني كليهما . ثم استطرد خادم الرب وقال : أنت بحاجة الى علاج جذري . ويجب ان تذهب الى الاختصاصي الذي ينقذك من هذه الحالة .
استضافه وأخذه في مساء ذلك اليوم الى الكنيسة للاستماع الى كلمة الوعظ من خادم الرب الراحل برنابا نوس . تكلم الواعظ عن ذلك الاختصاصييسوع حياتي بتغيير الحياة وتجديدها الرب يسوع المسيح الذي أحب الخاطئ ومات طوعاً وبديلاً عنه (لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.) كانت تلك الليلة فاصلة وتاريخية في حياته ، إذ صلى الى الله بدموع طالباً الرحمة والغفران. فاستجابه الله في تلك اللحظة وغيّر كيانه ومسلكه مما ترك اثراً واضحاً على المحيطين به .. وخصوصاً من غير المؤمنين . إذ قال احدهم سبحان الذي غيّر الذي لا يمكن تغييره .. هذا الانسان المستعبد لشروره إذ اعاد له كرامته وعائلته وجعل حياته تشعّ بنور المسيح .